البرلمان يصادق على قانون المصالحة الادارية

52

أقر البرلمان التونسي، مساء الأربعاء، قانونا حول الفساد يؤيّده الرئيس الباجي قائد السبسي رغم معارضة حادّة لعدد من النواب، ووصف المجتمع المدني له بأنه “تبييض للفساد”.

وصوّت لإقرار قانون “المصالحة” 117 نائبا من أصل 120 حضروا الجلسة العامة، بعد جدل صاخب شهده البرلمان التونسي وتبادل للاتهامات بين النواب. وهتف نواب “سنبقى أوفياء لدماء شهداء” ثورة العام 2011، فيما احتج عشرات الأشخاص أمام البرلمان ضد مشروع القانون المصالحة.

ورفع المتظاهرون بدعوة من ائتلاف “مانيش مسامح (لن أسامح)” شعارات ضد الفساد ومشروع القانون. وقالت مريم وهي إحدى المتظاهرات “طبعا لدينا مخاوف إذا مر القانون اليوم. سنكون خسرنا جزئيا معركتنا ضد الفساد من جهة ومن جهة أخرى هذا يمس حقيقة بالمسار الثوري الذي خضناه منذ 14 يناير/كانون الثاني 2011″ وهو تاريخ الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وكان مشروع القانون ينص في صيغته الأولى على العفو عن رجال أعمال ومسؤولين سابقين في عهد الرئيس زين العابدين بن علي ملاحقين بتهم فساد وذلك في مقابل إعادتهم للدولة المبالغ التي جنوها إضافة إلى غرامات مالية.

وإزاء موجة الرفض الكبيرة تم تعديل النص وبات لا يشمل إلا الموظفين المتورطين في حالات فساد إداري ولم يتلقوا رشاوى، لكن رغم ذلك ظلّ مشروع القانون يثير معارضة حادة. وكان السبسي وصف مشروع القانون لدى طرحه في صيف العام 2015 بأنه يؤدي إلى تحسين المناخ الاستثماري في بلد يعاني أزمة اقتصادية.

وحذر العديد من نواب المعارضة في مؤتمر صحافي سبق الجلسة من تبني مشروع القانون الذي قالوا إنه سيوجه ضربة قاضية للديموقراطية التونسية الوليدة. وقال النائب أحمد الصديق من الجبهة الشعبية (يسار) “هذه بداية مسار سيضرب في العمق الثورة” التونسية.

كما ندد النائب منجي الرحوي (الجبهة الشعبية-يسار) بطريقة رسم الأولويات في البرلمان الذي يهيمن عليه حزبا النهضة والنداء، وتساءل كيف يملك البرلمان النظر في مشروع هذا القانون في حين أن قانون الحكم المحلي لم يتم تبنيه حتى الآن قبل الموعد المقرر للانتخابات البلدية في 17 ديسمبر/كانون الاول 2017.

ومباشرة إثر موافقة رئيس المجلس على بدء النقاش، وقف نواب المعارضة في القاعة وأنشدوا النشيد الوطني لمنع قراءة التقرير الخاص بمشروع القانون وهم يضربون بقبضاتهم على الطاولات ما أجبر الناصر على رفع الجلسة.

وشهد البرلمان مواجهات كلامية، فقد دافع نواب “حزب نداء تونس″ الذي أسسه قائد السبسي عن مشروع القانون ومعهم الكثير من نواب “حزب النهضة” الإسلامي الشريك في الحكم، في حين ندد به بشدة نواب المعارضة.

وقال عمار عمروسية النائب عن الجبهة الشعبية (يسار) إن “هذه الجلسة مسخرة” في حين وصفت النائبة سامية عبو (التيار الديموقراطي) نواب حزب النداء بـ”المافيا”. وكان يفترض أن يعين البرلمان، الثلاثاء، أعضاء جددا في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لسد الشغور فيها، لكن ذلك لم يحصل بداعي عدم وجود نصاب.

وراى الكثير من النواب على غرار عمروسية أن غياب زملائهم كان “متعمدا” للدفع باتجاه تأجيل الانتخابات البلدية التي يبدو أن العديد من الأحزاب غير جاهزة لها، بحسب مراقبين ووسائل إعلام.

وأثار مصادقة البرلمان التونسي بالأغلبية المطلقة على قانون «المصالحة الإدارية» موجة من التساؤلات حول تبعات هذا الأمر وتداعياته على المشهد السياسي في البلاد ومستقبل العلاقة بين حزبي «نداء تونس» و«النهضة»، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الباجي قائد السبسي، التي أثارت موجة من الجدل في البلاد.

ويبدو أن المصادقة على القانون المذكور الذي تصفه المعارضة بقانون «تبييض الفساد»، تأتي حلقة أولى في استراتيجية طويلة حدد قائد السبسي بعض ملامحها في حواره الأخير، خاصة فيما يتعلق بدعوته لمراجعة نظام الحكم في البلاد الذي قال: إنه «يشكو هِنات عدّة و(ساهم في) شَلَّ العمل الحكومي»، فضلا عن تشكيكه بـ «مدنية» حركة «النهضة» التي لمح إلى احتمال التخلي عن التحالف معها مستقبلا.

ويرى عبد اللطيف الحنّاشي المؤرخ والباحث السياسي أن حوار الباجي قائد السبسي لجريدة «الصحافة» مؤخرا «كان نوعيا و«خطيرا» ويمكن قراءته وتأويله بطرق مختلفة، حيث تضمن «تهديدا مبطّنا» لحركة النهضة يخيّرها بين القبول بالقوانين التي سيتم تقديمها تباعا أو إلغاء التحالف القائم معها، وبالتالي مواجهتها للمتغيرات المعروفة على الصعيد الإقليمي والدولي ضد حركات ما يعرف بالإسلام السياسي، وبرغم أن النهضة كانت متحمسة لمشروع قانون المصالحة منذ انتخابات 2014 لكنها كانت تخشى من تداعيات هذا الحماس (على أنصارها الرافضين له)».

ويضيف في تصريح خاص لـ «القدس العربي»: «يبدو أن خطاب السبسي الأخير دفع عددا كبيرا من نواب النهضة إلى الدفاع بقوة عن قانون المصالحة وكَيل عدد من الاتهامات (لا تليق بالحركة) للمعارضة خاصة للجبهة الشعبية والحركة القومية اللذين تشاركا الحركة معا في وقت سابق على السجون والمنافي، كما شكلت معهما هيئة 18 أكتوبر/ تشرين الأول للحقوق والحريات المعارضة لنظام الرئيس السابق زين العادين بن علي عام 2005».

وكان أغلب نواب حركة «النهضة» صوتوا لمصلحة قانون «المصالحة الإدارية»، إلا أن عددا من الوجوه المعروفة داخل الحركة كالوزيرين السابقين محمد بن سالم وسمير ديلو رفضوا التصويت لمصلحة القانون، فيما اعتبرت النائبة مُنية إبراهيم أن البرلمان التونسي بمصادقته على القانون «يخون إرادة الشعب التونسي»، في حين قدم النائب والوزير السابق نذير بن عمّو استقالته من الكتلة البرلمانية للحركة في إثر تصويتها لمصلحة القانون.

ويرى الحناشي أن ثمة «قطاعا واسعا من حركة النهضة معارض لهذا التوجه (التصويت لمصلحة القانون) وهو ما عبر عنه بعض النواب فضلا عن قيادات وسطى داخل الحركة بطرق مختلفة منتقدين هذا الاصطفاف حول مساندة القانون، وبالتالي ربما يؤثر ذلك سلبا في شعبية الحركة في الداخل والخارج، وأعتقد أن رئاسة الجمهورية تحاول استدراج النهضة والحصول على تنازلات منها، وقد تجد الحركة نفسها لاحقا في منطقة هشة وحساسة أمام قواعدها ومن يناصرها من خارج الحزب، وبتقديري فإن هذا لا يخدم مرحلة الانتقال الديمقراطي».وتزامن التصويت على القانون الجديد مع إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن تعديل وزاري جديد ضم عددا كبيرا من رموز النظام السابق، فضلا عن كونه يأتي قبل أشهر من الانتخابات البلدية المقبلة التي يسعى «النداء» للفوز بنسبة كبيرة فيها.

ويقول الحناشي «تداعيات المصادقة على هذا القانون ستكون إيجابية لنداء تونس ومشتقاته (مشروع تونس وتونس أولا)، حيث سيشكل القانون رسالة اطمئنان لرجال الأعمال (ورموز النظام السابق) الداعمين للنداء، وهؤلاء سيقدمون الدعم مجددا له ماديا وسياسيا واجتماعيا، والأهم أن هذا القانون سيعزز موقع النداء طرفا قادرا على تغيير المعطيات لمصلحة توجه معين بدأ يرجع شيئا فشيئا للساحة السياحة (في إشارة إلى عودة رموز النظام السابق للحكم)».

ويؤكد، في السياق ذاته، أن السبسي في حواره الأخيرة قام بمناورة سياسية حاول من خلالها «ابتزاز النهضة» فضلا عن محاولة جذب «الشقوق» التي خرجت عن النداء في محاولة لإعادتها بطريقة أو بأخرى إلى صف نداء تونس و»ليس من قبيل المصادفة أن يستقبل رموز هذه الأحزاب (محسن مرزوق ورضا بلحاج) قبيل خطابه، ويبدو أنه كانت هناك مقايضة مع الراغبين في تأجيل الانتخابات البلدية عبر دفعهم للموافقة على قانون المصالحة مقابل عدم اصدار أمر رئاسي لدعوة الناخبين إلى الاقتراع في الانتخابات البلدية المقبلة، وهو ما لاحظناه من خلال غياب ممثلي كتلة الحرة (مشروع تونس) عن الجلسة المخصصة لسد شغور هيئة الانتخابات وحضورهم بكثافة في جلسة المصادقة على قانون المصالحة».

وكان برهان بسيّس المستشار السياسي لحزب «نداء تونس» أكد مؤخرا أن حزبه يفكر جديا في الدعوة إلى استفتاء لتغيير منظومة الحكم في تونس، وهو ما يُعتبر أول ترجمة فعلية لما تحدث عنه الرئيس التونسي في خطابه الأخير.

ويعلّق الحناشي على ذلك بقوله: «أعتقد أن هناك خطة مُحكمة من قبل رئاسة الدولة لإنجاز مجموعة من الاستحقاقات المقبلة وهناك أجندة أو برنامج معين لتحقيق مثل هذه الأمور، ولن نتفاجأ في نهاية هذا العام او بداية العام المقبل بهذه المسألة بالدعوة إلى استفتاء شعبي أو طلب الرئاسة من البرلمان لإحداث مثل هذا التغيير (تعديل الدستور لتغيير النظام السياسي)، فضلا عن إعادة النظر في قوانين إعطاء تأشيرة الأحزاب والكثير من المراسيم التي جاءت بعد الثورة كالمرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة، فثمة تفكير (من قبل الرئاسة التونسية) الآن بإعادة النظر ببعض القوانين التي جاءت في ظرفية معينة وأعطت حريات واسعة يعتبرها بعضهم انفلاتا ومن الضرورة إعادة النظر فيها، وهذه القضية لا نعرف إن كانت ستخدم المسار الديمقراطي ام لا، خاصة أنها قد تقلص من الحريات والمكاسب التي جاءت بها الثورة».

وكان بعض الهيئات الدستورية المستقلة في تونس اعتبر أن خطاب الرئيس التونسي الأخير «تراجع واضح عن الخيارات الديمقراطية»، ودعت إلى اليقظة والتضامن ضد هذه التوجهات الخطيرة (التي حددها قائد السبسي في حواره الأخير) التي قالت إنها تهدد مسار البناء الديمقراطي في البلاد.

 

 

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here